الأربعاء، 05 فبراير 2025

04:04 م

محمد مطش يكتب.. ثمن الغربة

الأربعاء، 08 يناير 2025 11:56 ص

محمد مطش

محمد مطش

محمد مطش

يتخرج كل عام آلاف من طلاب الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية والأكاديميات باحثين عن فرص عمل مناسبة تتماشى مع تعليمهم وقدراتهم الفردية. 

يسعى كل فرد ليحقق ذاته ويشبع طموحه واهوائه متطلعًا لمستقبل أفضل له ولأسرته. 

لكن مع الكثرة العددية من الكوادر البشرية وقلة الفرص في سوق العمل والبحث والتطلع الدائم نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا يلجأ الكثير والكثير من الشباب للسفر للخارج إما برغبته أو فرضًا عليه حتى يكون قادرًا على سد احتياجاته ومتطلباته اليومية، وتحقيق ما كان يحلم به قبل السفر. 

فأسباب السفر كثيرة ومختلفة فنجد من يسعى للسفر من أجل المال وآخر يسعى من أجل السلطة، وآخر من أجل الوضع الاجتماعي المتميز، وآخر من أجل طلب العلم وتطوير إمكانياته العلمية والدراسية، وآخر من أجل اكتساب خبرات جديدة له وآخر من آجل الارتقاء بمستوى معيشته.

 كلها محاولات قد تحالفها الحظ أحيانا وتسجل نجاحات وتفوق نظرًا لظروف معينة تعايشوا معها وقبلوها. 

ولكن على الجانب الاخر وللأسف الشديد يتعرض الكثير من المسافرين للعمل بالخارج لكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي توثر سلبا على حياتهم الشخصية.

 فاجتماعيًا قد يحدث خلل في تركيبة الأسرة نظرًا لسفر الأب بمفرده باحثًا عن قوت يومه ونقل أسرته من مستوى معيشي منخفض لمستوى أعلى، وقد يترتب على هذا كثير من حالات الطلاق والانفصال نظرًا لعدم اكتمال الأسرة بمكان واحد، وينعكس كل ذلك بالطبع على سلوك الأبناء الصغار.

 أما الجانب النفسي فيتلخص فى حالات الاكتئاب الدائم التي قد يتعرض له المسافر بالخارج نظرًا لافتقاد أسرته وعدم وجود حياة اجتماعية مستقرة.

 مما يدفعه فى كثير من الأحيان في تناول الأدوية والمواد المخدرة، محاولة منه للهروب من الواقع المؤلم الذي يعيشه.

 ونأتي بعد ذلك الى أخطر الجوانب التي قد يتعرض لها المسافرين في الخارج والتي تتمثل في الجوانب الثقافية وما تشمله من موروث للعادات والتقاليد فنجد صراع دائم بين جيل الآباء وجيل الأبناء، فعند سفر الأب والأم يكون لديهم قناعات محددة ومعايير إنسانية واخلاقية ثابتة لم ولن يستطيعوا التخلي عنها من الالتزام ودماثة الخلق واتباع تعاليم الدين، أما الابناء فيتربوا على حياة أكثر انفتاحا وأكثر عصرية، والتي يقابلها رفض من قبل الأهالي فتحدث المشكلة والصراع بين كلا الطرفين، مما يكون له أثره السلبي على الأسرة بأكملها. 

فقد حدثني أحد الأصدقاء عن خوفه من تربيه وتعليم ابنه وهو مقيم في إحدى الدول الأوروبية التي تنشر ثقافة الحرية وقبول الآخر بما في ذلك الأفكار المتطرفة دينيًا وجنسيًا وفكريًا، وهو ما حاول صديقي السيطرة عليه في بداية الأمر، إلا أنه فشل في إعادة تشكيل فكر ابنه الصغير، فقرر العودة مجددًا الى أرض الوطن.

 وهي ظاهرة خطيرة وبعيدة المدى يعاني منها الكثير والكثير من الآباء الذين تركوا أوطانهم واتجهوا الى الغرب بحثا عن العيش وتوفير حياة أكثر رفاهية واستمتاعاً.


ومن المؤكد أن للسفر ثمنًا كبيرًا، فلا يمكن تجاهل التحديات التي يواجها المهاجرون الذين تركوا خلفهم أهاليهم وأحباءهم. 

ورغم الفوائد العديدة التي قد تجنى من التجربة، مثل تحسين الوضع المالي وتحقيق الذات، إلا أن التأثيرات السلبية لا يمكن إنكارها، بدءًا من الفراق العاطفي الذي يترك أثره على العلاقات الأسرية، وصولًا إلى ضياع الهوية والتكيف مع ثقافات جديدة.

لمن ينوي السفر، سواء بمفرده أو برفقة أسرته، أنصحكم بالتفكير بعمق في قراركم، والتأكد من وضع خطة واضحة للحفاظ على الروابط الأسرية ودعم بعضها البعض. 

من المهم أيضًا التكيف مع البيئة الجديدة وخاصة من يسافرون برفقة أسرهم، مع مراعاة احترام العادات والتقاليد المختلفة، ومحاولة دمج القيم التي يحملها كل طرف.

 وتذكروا دائما أن السفر ليس مجرد تغيير مكان، وطرق ومباني اعتاد النظر على رؤيتها بل هو رحلة تستلزم الالتزام والعمل المشترك لبناء مستقبل أفضل.

 فيجب الحفاظ على التوازن بين تحقيق الأهداف الفردية والأسرية، فالتكاتف والدعم المتبادل يعدان مفتاح النجاح في أي مجتمع جديد. ولا تنسوا ابدا ان للغربة ثمن كبير.

search