الأربعاء، 05 فبراير 2025

04:42 م

سيد فودة يكتب: البرد القاتل ومآسي المهاجرين

الأحد، 05 يناير 2025 02:12 م

سيد فودة

سيد فودة

أكتب إليكم الآن، ودرجة حرارة الطقس خارج منزلي في ولاية كونيتيكت بالساحل الشرقي للولايات المتحدة الامريكية ٢٥ تحت الصفر، والثلوج تتساقط بكثافة. بمناسبة هذا الطقس القاسي، سأحكي لكم قصة قد تكون غريبة بل أغرب من الخيال .

في ليلة شتوية قارسة البرودة من شهر ديسمبر عام 1980، كانت جين هيليارد، الشابة البالغة من العمر 19 عامًا، تقود سيارتها عائدة إلى منزلها في ولاية مينيسوتا الأمريكية، وبسبب الظروف الجوية القاسية، انزلقت سيارتها عن الطريق واصطدمت بخندق. مع تعطل السيارة وانخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، أدركت جين أنها لن تنجو بالبقاء داخل السيارة حتى الصباح.

قررت جين السير نحو منزل صديقها، الذي يبعد حوالي ميلين (3.2 كيلومترًا). ارتدت حذاء رعاة البقر الذي وجدته في سيارتها، وبدأت رحلتها الشاقة عبر الثلوج. بعد ساعات من المشي في البرد القارس، انهارت جين على بُعد 15 قدمًا (4.6 مترًا) فقط من منزل صديقها. انخفضت درجة الحرارة حينها إلى 22 درجة مئوية تحت الصفر.

عُثر على جين في الساعة السابعة صباحًا، بعد أن قضت حوالي ست ساعات متجمدة في البرد. وكانت حالتها حرجة للغاية؛ جسدها كان صلبًا كالجليد، ولم يتمكن الأطباء من إدخال الإبر في جلدها بسبب تجمده الشديد. كما لم يتمكنوا من قياس درجة حرارة جسمها، إذ كانت منخفضة جدًا، وخارج نطاق أجهزة القياس المتاحة. ووصل نبض قلبها إلى 12 نبضة في الدقيقة فقط.

لجأ الأطباء إلى لفها ببطانيات كهربائية لتدفئتها تدريجيًا، وإذابة الجليد عن جسدها. بعد ساعات من الرعاية الطبية المكثفة، بدأت جين تُظهر علامات استجابة. وبعد 49 يومًا من العلاج في المستشفى، تعافت جين تمامًا دون أي تلف في الدماغ أو فقدان للأطراف، مما اعتُبر معجزة طبية حيرت الأطباء والمختصين.

هذه القصة، رغم نهايتها السعيدة، تسلط الضوء على خطر البرد القاتل الذي يهدد حياة الأفراد، خاصة أولئك الذين يفتقرون إلى المأوى والدفء. بينما نجت جين بأعجوبة. حيث يواجه آلاف المهاجرين والمشردين واللاجئين حول العالم، مصيرًا أكثر قتامة في ظل ظروف معيشية قاسية.

في أوروبا، يواجه المهاجرون الذين يعبرون الحدود تحديات جسيمة، خاصة خلال فصل الشتاء. في يناير 2024، لقي خمسة شبان سوريين حتفهم بسبب البرد، أثناء محاولتهم عبور القناة الإنجليزية للوصول إلى المملكة المتحدة. وأشارت منظمة “Utopia 56” إلى أن الثلوج وانخفاض درجات الحرارة، تزيد من معاناة المهاجرين الذين ينامون في الشوارع والخيام دون حماية كافية من البرد. 

أما في قطاع غزة المحاصر، فالمأساة الإنسانية تتفاقم مع حلول فصل الشتاء. في شهر ديسمبر من عام 2024 الماضي، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، عن وفاة ستة أطفال رضع، بسبب البرد القارس ونقص المأوى، وهذا الرقم لا يذكر بالمقارنة بالعدد الحقيقي الدين فارقوا الحياة بسبب البرد القارس. الأونروا حذرت من أن المزيد من الأطفال قد يلقون حتفهم، إذا لم يتم توفير مستلزمات الشتاء الأساسية، ورفع الحصار للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. 

وتشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة، إلى ارتفاع معدلات وفيات المهاجرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 
وفي عام 2022، لقي ما يقرب من 3,800 شخصا حتفهم، على طرق الهجرة داخل المنطقة، وهي أعلى حصيلة منذ عام 2017. هذه الوفيات تعد بحق انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحق في الحياة والكرامة. 

يجب على المجتمع الدولي تكثيف الجهود، لتوفير المأوى والحماية للمهاجرين والمشردين واللاجئين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، التي تعرض حياة الأفراد للخطر.

بينما نجت جين هيليارد من براثن الموت متجمدة، بفضل العناية الطبية والتدخل السريع، فإن آلاف الأشخاص حول العالم، يواجهون مصيرًا مأساويًا بسبب البرد القاتل، وبسبب ظروفهم المعيشية الصعبة. وحماية حقوق الإنسان وتوفير المأوى والدفء للمحتاجين، ليست مجرد مسؤولية أخلاقية، بل هي واجب إنساني يجب على الجميع الالتزام به.

search