الثلاثاء، 22 أبريل 2025

11:35 م

وفاء أنور تكتب: فاقد الشيء يعطيه أحيانًا

الخميس، 02 يناير 2025 09:36 ص

وفاء أنور

وفاء أنور

قالوا جملتهم الشهيرة ورحلوا مطمئنين. قالوا: "إن فاقد الشيء لا يعطيه". جملتهم هذه لم تخضع لسند قوي، ولم تعتمد على دراسة مطولة، خاصة على المستويين الوجداني والعاطفي، راحوا يؤكدون على أن كل من فقد شعورًا برحمة أو شفقة، أو من تعرض لسوء معاملة، فلن يتمكن أبدًا من منح ما حرم منه وإهدائه طواعية لمن يحتاج إليه ويستحقه؛ إنهم يجهلون أن هذا الشيء الذي تم انتزاعه من هؤلاء، كان هو ذاته المكون الحقيقي لإنسانيتهم، استندوا لمنطق يؤكد على أنه ليس هناك ما هو أصعب على النفس، من فقدان ما تحبه وترغب به، فكيف يعقل بعد ذلك أن تمنحه أو أن تهبه؟. إنهم لم يدركوا بعد أن هذا المنح الشاق عليه من وجهة نظرهم هو ذاته، وسيلته للبقاء على قيد الحياة. فمن فقد شيئًا سيظل أسيره، يبقيه بخياله يحتضنه ويداعبه، وبعد أن كان ينتظر يومًا من يمنحه له، أصبح مسئولًا برضاه عن منحه لغيره، يهديه برغبته ومحض إرادته، فالإنسان غالبًا حينما يتعرض للألم، يقرر من داخله أن يرده عدوانًا وانتقامًا، لكن الإنسان الحق هو الذي يفيض بحبه على كل من رآه يشبهه في ظروفه، إنه الإنسان التقي النقي الذي لا يضيره ما حرم منه، بقدر ما يرضيه أن يمنحه لغيره. الفرضيات وحدها لا تكفي في الحكم على مثل تلك الأمور الشائكة، فالحكم عليها ليس بالسهل الهين، لأن مشاعر البشر لا تؤخذ بالشكل، وإنما هى في حاجة لدراسة مطولة، ولا ينبغي الاكتفاء فيها بتجربة مفردة، بل بتجارب عديدة، فكم هناك من أشخاص مروا بتجارب قاسية سلبت منهم حقوقهم، أهانتهم وانتزعت منهم سلام أنفسهم، حينما تعرضوا لظلم بينٍ، آتٍ من أقرب الناس إليهم، عاشوا تحت وطأة تربية ونشأة غير سليمة، قهرتهم وظلمتهم، جعلتهم يصارعون أمواجًا تسابقهم وتلاحقهم، ترفعهم تارة وتخفضهم أخرى، لا يبصرون أمامهم طريقًا آمنًا، ولا يعلمون ما هى وجهتهم. كم من نفوس عاشت في أحضان الألم مجبرة، كم تعذبت بالسير فوق أشواك تتمدد ولا تنحسر، كم من عيون حبست دموعها خوفًا، حتى سكبته أنهارًا في لحظة قلق أو خوف، ومع هذا لم تتعلم قلوبهم من القسوة شيئًا، لم تفضل ذلك أو تفكر في اعتناقه، وكأن كل ما عانت منه أرواحهم، منح قلوبهم رقة صنعتهم، وأصبح العطاء ميلادًا آخر لذواتهم.

search