الأحد، 22 ديسمبر 2024

07:38 م

مساجد مصر التاريخية: مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي.. قبلة الصوفيين في مصر والعالم

السبت، 21 ديسمبر 2024 01:43 م

محمد عماد

مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي

مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي

يعد مسجد العارف بالله إبراهيم الدسوقي، الواقع في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، واحدًا من أبرز المساجد التاريخية في مصر والعالم الإسلامي. يُعتبر المسجد واحدًا من أكبر 10 مساجد في العالم، إذ يحتل الترتيب السابع عالميًا، ويمثل مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا في الحياة الروحية لملايين المسلمين. يعود تاريخ هذا المسجد العريق إلى العصور الإسلامية الأولى، حيث شهد تطورًا ملحوظًا عبر العصور المختلفة ليصبح صرحًا إسلاميًا يمتزج فيه التاريخ مع العبادة، ويحظى بمكانة كبيرة في نفوس المسلمين عامة، والصوفيين خاصة.

تاريخ المسجد وتطوره

تاريخ مسجد إبراهيم الدسوقي يبدأ من أيام العارف بالله إبراهيم الدسوقي نفسه، الذي كان من كبار أقطاب التصوف في مصر والعالم الإسلامي. وتعود بداية القصة إلى فترة حياته حين أمر السلطان الأشرف خليل قلاوون ببناء زاوية صغيرة بجانب خلوة إبراهيم الدسوقي بعد سماعه عن كرم أخلاقه. وبعد وفاة الدسوقي، تم دفنه في نفس المكان، وأصبح هذا الموقع مزارًا هامًا. في عهد السلطان قايتباي، تم توسيع المسجد وبناء ضريح يليق بمقامه. لاحقًا، في عهد الخديوي توفيق، تم بناء المسجد الحالي على مساحة 3000 متر مربع، ليصبح أحد المعالم الإسلامية الهامة في المنطقة.

مع مرور الزمن، شهد المسجد توسعات هامة في عهود مختلفة. في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، تم توسيع المسجد ليصل إلى مساحته الحالية البالغة 6400 متر مربع، وأضافت هذه التوسعات العديد من المرافق الحديثة مثل المكتبة الإسلامية الكبرى، وصالونات الزوار، فضلاً عن جناح خاص للسيدات.

موقع المسجد وأهميته الثقافية والدينية

يقع مسجد إبراهيم الدسوقي في مدينة دسوق التي تطل على نهر النيل فرع رشيد، ما يضيف لموقعه أهمية خاصة. المدينة، التي تعد واحدة من أقدم المدن المصرية، تتميز بسياحتها الدينية، حيث يتوافد إليها مئات الآلاف من الزوار سنويًا، خاصة خلال الاحتفالات الدينية. يُعتبر المسجد قبلة للصوفيين من مختلف أنحاء العالم، إذ يشهد المولد السنوي لإبراهيم الدسوقي، الذي يقام في شهر أكتوبر من كل عام، والذي يعد واحدًا من أكبر الاحتفالات في مصر. ويشهد هذا المولد حضور نحو 77 طريقة صوفية من مختلف أنحاء العالم.

الأنشطة الدعوية والثقافية في شهر رمضان

خلال شهر رمضان المبارك، يتحول مسجد إبراهيم الدسوقي إلى مركز ديني وثقافي حيوي. يشهد المسجد توافدًا كبيرًا من المصلين من كافة أنحاء مصر، الذين يأتون لأداء الصلوات، والاستماع للمحاضرات الدينية، والمشاركة في الأنشطة الثقافية والروحانية التي تُنظم داخل المسجد. ويتضمن البرنامج الرمضاني في المسجد جلسات لتلاوة القرآن الكريم، وحلقات ذكر، بالإضافة إلى المقارئ للأئمة والجمهور.

وإلى جانب الأنشطة الروحية، يُعقد المسجد خلال رمضان برامج مخصصة للأطفال تشمل مسابقات وجوائز مثل المصاحف، بالإضافة إلى تقديم حلقات للقراء المشهورين مثل الشيخ أحمد عوض أبو فيوض. كما يُنظم مسجد إبراهيم الدسوقي أيضًا دروسًا علمية في الفقه والعقيدة، ويعمل على إحياء الذكرى السنوية للمولد الرجبي (المولد الصغير) في مايو، بالإضافة إلى الاحتفال الرئيسي في أكتوبر، الذي يشهد إقبالًا ضخمًا من المصلين والزوار.

التطورات الأخيرة في المسجد

شهد المسجد في السنوات الأخيرة أعمالًا كبيرة من الترميم والتطوير. وبفضل تلك التوسعات، أصبح المسجد قادرًا على استيعاب حوالي 25 ألف مصلٍ، كما تم تجهيز المسجد بمرافق حديثة مثل مكتبة إسلامية تضم مراجع في الفقه الحديث والأدب. بالإضافة إلى ذلك، تم إضافة ميدان أمام المسجد بمساحة 16 ألف متر مربع، ليتسع لمزيد من المصلين والزوار.

تستمر الأنشطة الدعوية والثقافية في المسجد طوال العام، إذ يشهد المسجد حضورًا كبيرًا في أيام الجمعة والأعياد، إضافة إلى استضافته لمؤتمرات الطرق الصوفية والاحتفالات الكبرى. وتعتبر هذه الفعاليات جزءًا من دور المسجد كمركز علمي وروحي يساهم في نشر الفكر الصوفي وتعليم العلوم الدينية للجيل الجديد.

المولد الدسوقي: بين الاحتفال الشعبي والروحانيات

يعتبر المولد الدسوقي حدثًا روحانيًا مميزًا في حياة أهل دسوق وكل من يتبعون الطرق الصوفية. ففي المولد الرجبي، الذي يقام في مايو، يشهد المسجد توافد عدد كبير من الزوار للاحتفال بحياة العارف بالله إبراهيم الدسوقي، وتعد هذه المناسبة أقل حجما من الاحتفال الكبير الذي يتم في أكتوبر. في هذا المولد، يتحول المسجد إلى مكان مليء بالذكر والتوسل، ويشمل أنشطة روحانية مثل حلقات الذكر والمسابقات الدينية، بينما يتميز المولد الأكبر في أكتوبر بمشاركة واسعة من علماء ومشايخ الأزهر الشريف وطرق صوفية متعددة.

يظل مسجد إبراهيم الدسوقي واحدًا من أعرق وأهم المساجد في مصر والعالم الإسلامي، حيث يمزج بين العراقة التاريخية والروحانية العميقة. من خلال تاريخه الطويل واحتفالاته العريقة، يُعد المسجد مركزًا مهمًا للعلم والدعوة، ويستقطب العديد من الزوار الذين يتوافدون إليه سنويًا للتمتع بالأجواء الروحانية والعبادية التي لا مثيل لها.

search