السبت، 02 نوفمبر 2024

09:39 م

هى وهو واللقاء الأخير

السبت، 06 يوليو 2024 01:34 ص

وفاء أنور

وفاء أنور

وفاء أنور

 
جمعتهما قصة حب في فترة صباهما، كما جمعهما مشروع خطبة لم تكتمل، افترقا عن بعضهما تنفيذًا لحكم القدر، وأقام كل منهما بمكان بعيد كل البعد عن مكان الآخر .. مرت سنوات طوال تغلبت فيها على مشاعرها، وراحت تنحي جانباً كل ما يذكرها به، كانت كلما أخذها الشوق إلى ذلك الماضي الجميل الذي كان يسول لها خيالها جماله تهرب منه قدر المستطاع. في بداية الأمر استصعبت ذلك، لكن مع مرور الوقت اعتادت عليه، لقد حاولت مراراً البحث عنه في البداية رغبة منها في تتبع أخباره، إلا أن كل محاولاتها قد باءت بالفشل. استسلمت للأمر، ومضى بها قطار العمر كما مضى به.
في يوم لم يخطر لها ببال جمعتها الصدفة البحتة به، حين كانت تسير وهي في عجلة من أمرها لكي تلحق بموعدها المهم الذي خرجت مبكرًا من أجله. طوت الأرض بخطواتها ولم توقفها إلا مفاجأة جعلتها تصطدم به.. لم تنتبه إليه حين مرت بجانبه، إنها تجهله تمامًا بعد أن غيرت السنون ملامح وجهه، وبددت الأيام تفاصيلها وأضاعت منه أغلب صفاته.. ناداها باسمها فالتفتت إليه، ثم جالت بوجهه تتفحص ملامحه، لتتيقن بعدها أنها لم تره من قبل وأنها لم تعرفه. لقد امتلأ جسمه بشكل كبير، وتغير لون بشرته، وكسا الشيب رأسه، وتسلل الشعر الأبيض الكثيف إلى لحيته، تلك التي غلب عليها ظنها بأنه قد أطلقها من أجل أن يصعب عليها الأمر.
لم تتذكره إلا حينما ذكر لها اسمه ودلل على صدق روايته معها بحديثه عن ذكريات جمعت بينه وبينها، وهنا راحت تتمتم قائلة: "يا إلهي، هل من الممكن أن ينتصر الزمن على الإنسان ويثأر منه بتغييره إلى هذا الحد؟ لقد تمكن من الإطاحة بملامحه التي كنت أحفظها من قبل عن ظهر قلب، فكثيرًا ما أرقتني صورته في الماضي فانتزعت النوم من بين جفوني انتزاعًا، وها هو الآن يقف أمامي وأنا لم أستطع التعرف عليه.
طلب منها بإلحاح شديد أن تمنحه فرصة للجلوس والحديث معه في أقرب مكان عام، معبرًا لها عن سعادته الغامرة برؤيتها غير المتوقعة، وراح يحدثها عن أمله في أن تمنحه الفرصة لسرد حكايات عن زمن طال، زمن فرق بينها وبينه. شردت بذهنها بعيدًا للحظات، وراحت تذكر نفسها بأنه لم يعد هو، وما جدوى الحديث إذن مع شخص غريب، إنسان آخر لا تعرفه بعد أن التهمت السنوات معظم صفاته. تعجبت من الأمر، ثم رفضت طلبه على الفور. 
إحساس بالغربة ملأ قلبها وعقلها في دقائق، وإن كادت تخفيه عنه مراعاة لشعوره، راحت الأفكار تغزوها وتبارزها فتهرب منها بالركض في طريقها للحاق بموعدها الذي ارتبطت به، ثم تضحك حين تذكر كم المعاناة التي عانتها من ألم فراقه في الماضي.
وتذكرت ساعتها أن النفس البشرية تظن دومًا أن المجهول يخفي وراءه نعيمًا لن يعوض، حتى يأتي يوم ندرك فيه أن الخيرة فيما اختاره الله لنا، فنشكره على ذلك ونحمده.

وفاء أنور

search