السبت، 21 ديسمبر 2024

06:43 م

آثار شلبي تكتب: شامة الحسناء في سجن صيدنايا!

السبت، 14 ديسمبر 2024 01:13 م

آثار شلبي

آثار شلبي

في ليلة شتوية، وعندما كانت دمشق غارقة في صمتها الموحش، اقتحموا بيت "شامة". كانت الجدران شاهدة على لحظةٍ مزقت فيها يد الغدر حياتها إلى نصفين. دون تهمة واضحة، وُضعت في عربة مظلمة واقتيدت إلى حيث لم تكن تتخيل أن تطأ قدمها أبدًا.. معتقل صيدنايا، حيث الحقيقة تذوب في الظلام.

في الزنزانة الأولى، لم تُسأل شامة أي سؤال. فقط تُركت لساعات طويلة، جالسة على الأرض الباردة، تسمع أصواتًا تأتي من بعيد. صراخ نساء، صرير أبواب، ووقع أقدام يُشبه صوت الحُكم بالإعدام. شعرت أن الساعات تتكسر على صدرها وكأنها دهور.

بعد أيام من الصمت بدأت التحقيقات.. وقف أمامها المحقق بوجهه الجامد وعينيه الخاليتين من الرحمة. طرح عليها أسئلة غامضة حول زوجها وأعماله، وكأنها كانت العقل المدبر لكل شيء. أنكرَت.. توسلت.. لكن الرد كان موجعًا. ضربات متتالية تركت جسدها مرهقًا وروحها ممزقة.. حاولت أن تجد تفسيرًا، أن تستوعب سبب وجودها هنا، لكنها لم تجد إلا الغموض.  

التعذيب الجسدي كان قاسيًا، لكن الألم النفسي كان أشد. كل ليلة، كانوا يهمسون لها أن عائلتها تخلّت عنها، وأن أطفالها يكبرون وهم لا يذكرون وجهها. زرعوا في ذهنها بذور الشك واليأس، لكن وسط ذلك الضباب، كانت شامة تتمسك بصورةٍ واحدة: وجه ابنها الصغير وهو يبتسم يوم ودّعته قبل أن تغادر المنزل. تلك الذكرى أصبحت منارتها في بحر الظلام.  

مرّت أيامها كأنها تسبح في متاهة لا نهاية لها. في إحدى الليالي، أُخذت من زنزانتها وأُودعت غرفة مظلمة لا تنيرها إلا شمعة تتآكل. جلست هناك لساعات، حتى دخل أحد الحراس.. نظر إليها وقال: "غدًا ستُفرجين". لم تصدق، وظنت أن الأمر مجرد لعبة أخرى لكسرها.  

لكن في صباح اليوم التالي، فتحوا لها بوابة المعتقل. عندما خطت خارج الأسوار، لم تشعر بالفرح، بل بالغربة. شعرت وكأنها خرجت من عالم آخر، عالم التهمها ثم لفظها دون تفسير. الشمس كانت مشرقة، لكنها بدت غريبة على عينيها اللتين اعتادتا الظلام.

عادت شامة إلى بيتها، لكنها لم تعد كما كانت. انكسر شيء في داخلها، وشيء آخر استيقظ.، باتت حياتها مزيجًا من الغموض والألم، لكنها قررت أن تروي قصتها في يوم ما، ليس فقط كشاهدة على الظلم، بل كدليل على أن النور قد ينبثق من أعمق الظلمات.

مقالات أخري:


أحمد فاضل يكتب: الأمم المتحدة.. مواقف وبيانات هزيلة في مواجهة الانتهاكات والحروب

وفاء أنور تكتب: المدرك لا يعود

سيد فودة يكتب: حقوق العمال المهاجرين في جزيرة أروبا احدى مستعمرات هولندا في البحر الكاريبي

search