السبت، 21 ديسمبر 2024

07:07 م

أحمد الأنصاري يكتب: "خم" يا جمل

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024 10:32 ص

أحمد الأنصاري

أحمد الأنصاري

سحبت نفساً من الشيشة "القص" رمز المصرية الأصيل، ولمحت عن بعد صديقي ألبرتو قادماً، تعلوه علامات حزن وضجر تزداد معها الحمرة الأوروبية في وجنتيه، وكأنه بلياتشو أو امرأة أربعينية، معزومة في حنة أبنة إحدى صديقاتها، فبادرته، ماذا بك يا أبو فرانشيسكا.. اجلس، وناديت على نادل القهوة (واحد حمص الشام لعمك ألبرتو) يا عبدو.
وسألته ما بك يا صديقي المنعم بالضمان الاجتماعي وحرية الرأي وحقوق (لامؤاخذة الإنسان)، فقال لي بلغة عربية (رايحه في داهية) علمته إياها، (مخموم يا صديقي)، انقشعت سحابة “القص” من تلابيب رأسي ورددت بحماس، قف على حالك وهيا بنا نرى من ابن التيت الذي (خمك وضحك عليك ونظبطه)، فحاول التوضيح والتهدئة من انفعالي قائلاً (مخموم مخموم.. يأني متضايق وعندي خم كبير)، وكان ينطق الهاء خاءً (ما هو غربي بقى).. لم أظهر ضحكتي، إلا أن قليلا من الشاي غلبني وخرج من أنفي بسبب كتمان الضحك.
سألته.. لماذا أنت مخموم يا أبو فرانشيسكا، فقال إن النمو الاقتصادي في بلاده يسجل تراجعا والتضخم يزداد، ولذلك فإن مدخراته في البنك بعملة دولته ستقل قيمتها، وأن سنين غربته ستذهب هباء، وأن هذا التضخم زاد العبء على اصدقاءه واقاربه المقيمين في وطنه، ضارباً مثلا بأخته أم جاكلين موظفة الحكومة التي كان الناس يحسدونها على وظيفتها، وكانت ضمن الطبقة فوق المتوسطة، إلا أنها تراجعت للطبقة المتوسطة، ولم تعد قادرة على تحمل نفقات رحلات التخييم وأقساط سيارة ابنتها جاكلين.
وتابع أبو فرانشيسكا المسكين، أن ما زاد غضبه أن أحد مسؤولي دولته خرج عليهم في لقاء تلفزيوني (زارفاً الدموع متشنهفاً) متحدثاً بحشرجة، سائلاً النصيحة، موضحاً أن أم جاكلين ومن على شاكلتها لا يفهمونه، فبادرته بالسؤال هو دا الراجل اللي (خمك) ومخليك (مخموم)، فجاوبني لا، (شنهفة المسؤول لم تخمني، ما خمني أنه مازال يؤمن أننا نحن من لا نفهمه).
وهنا، جاء النادل بحمص الشام مع (لمون زيادة شطة زيادة)، فطلبت منه أخذ رشفه حتى تلهب الشطة حلقه، ويبدأ في الاستماع لي والشعور بما سأقوله.
قلت له يا صديقي جميعنا (مخموم)، لكنك تملك الحق بعد عدد محدد من السنوات أن تلفظ من (خمك)، أما نحن فيتم التعامل معنا على أننا إرث أو تركه، وكل عدد من العقود يأتي من يتملكها، وهو من يملك القوة كي يلفظنا وليس العكس، (ومش بس يلفظنا، لا وكمان يفزعنا ويكسينا ويعرينا ويبعنا ويصب في مصلحتنا، بحسب ما يتراءى له).
ثم حمرت له عيني وقلت له بحدة، إنت زعلان على حبة تضخم لا يتجاوز 7 إلى 10%، أنتم لم تروا تضخما ولا تعرفوا يعني ايه تضخم، نحن نحطم الأرقام تحطيماً، إحنا التضخم إذا لم يتجاوز 20 و25% لا نقبل به، إذا لم تنهار الطبقات الاجتماعية على رأس ساكنيها وتختفي، لا يرتاح لنا بال، إذا لم ننقسم بين ناس عايشة عشان تصرف وناس كويس انها عايشة، لا يغمض لنا جفن.
يا صديقي الذي ما يزال له حقوق في موطنه، انت لديك قانون تملك بموجبه انت تستعيد ما يسلب منك، بل ويمكنك أن تمنع ان يُسلب منك، وأن توقف (الخم) أو على أقل تقدير أن تقلل من تأثيره، أما نحن فالقانون لدينا هو آلة موسيقية ذات طابع شرقي عربي جميل، يتم العزف عليها بحسب من يملك قوة العزف. 
التقم أبو فرانشيسكا الشيشة من يدي، وسحب نفساً طويلا وأخرج من أنفه دخاناً ممزوجاً بذاك الصوت الاعتراضي الجميل، وكان ينوي الكلام إلا أنني في محاولة للتحفيف عنه أو عني، قلت له، دعني يا صديقي أخبرك بتعريف (الخم) أو (الخموم) وأنواعها في مجتمعي.
هناك يا غربي المولد والموطن والحقوق، ثلاثة أنواع من (الخموم) لدينا وهي: (خم يضحك)، و(خم يبكي)، ثم القمته قطعة من البسبوسة بالسمنة البلدي التي امامي حتى ازيل من حلقه مرارة الحوار، وأكلمت والنوع الأخير (خم يا جمل).

search