الإثنين، 30 ديسمبر 2024

07:36 م

سيد فودة يكتب: السقوط من السماء.. الوجه الخفي للهجرة غير الشرعية

السبت، 07 ديسمبر 2024 09:17 ص

سيد فودة

سيد فودة

تخيل أنك تسير في الشارع وفجأة تُمطر السماء جثثًا. قد يبدو هذا مشهدًا من فيلم خيالي، لكنه للأسف حقيقة وقعت في أكثر من مناسبة حول العالم. مشاهد مروعة تجسدت في سقوط جثث بشرية من السماء، ليكشف ذلك عن وجه جديد من مآسي الهجرة غير الشرعية.

في عام 2014، شهدت مدينة جدة في المملكة العربية السعودية حادثة غير مألوفة، عندما سقطت أشلاء جثة رجل من السماء. كانت هذه اللحظة صادمة للجميع. وبعد ذلك بعام، في يونيو 2015، تكررت القصة في منطقة ريتشموند بلندن؛ حيث سقطت جثة رجل فوق سطح مبنى، تلتها جثة أخرى في نفس المنطقة، لكن صاحبها كان لا يزال على قيد الحياة، وإن كان في حالة حرجة. وفي عام 2019، شهدت لندن سقوط جثة متماسكة لرجل في إحدى الحدائق، متجمدة ككتلة من الجليد.

تُظهر هذه الحوادث، جانبًا مخيفًا من معاناة المهاجرين غير الشرعيين، الذين يغامرون بحياتهم بالتسلل إلى تجويفات عجلات الطائرات. هؤلاء الشبان، ومعظمهم من دول إفريقية، يبحثون عن أي فرصة للهروب من الفقر المدقع، ومن ظروف الحياة القاسية في أوطانهم. إنهم يدركون المخاطر الهائلة لهذه الرحلة، لكن يأسهم يدفعهم إلى المضي قدمًا.

ما يواجهه هؤلاء المهاجرون خلال الرحلة مرعب بشكل لا يوصف. مع إقلاع الطائرة، يولد احتكاك عجلاتها بالأرض حرارة عالية، وعند الارتفاع إلى آلاف الأمتار في السماء، تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات قاتلة، ويتزايد الضغط الجوي بشكل يهدد الحياة. غالبًا ما يموت هؤلاء المهاجرون، إما بسبب الاحتراق، أو بسبب الاختناق نتيجة الضغط العالي، أو التجمد في درجات الحرارة المنخفضة. وعندما تفتح الطائرة عجلاتها أثناء الهبوط، تسقط الجثث من السماء.

الشباب الذين يخوضون هذه الرحلة، يمرون بموت معنوي مئات المرات قبل موتهم الجسدي. إنهم يهربون من الفقر، المرض، والجهل، ويخاطرون بحياتهم بحثًا عن الكرامة ولقمة العيش. هذه المغامرة المميتة تكشف عن حجم اليأس الذي يدفعهم إلى اتخاذ مثل هذه القرارات.

إفريقيا، تلك القارة الغنية بالموارد والثروات الطبيعية، تُعد واحدة من أكثر المناطق تعرضًا للاستغلال والنهب منذ عقود. القوى الاستعمارية، وعلى رأسها فرنسا، لم تتوقف عن استنزاف مواردها، مما أدى إلى تفاقم الفقر وغياب العدالة الاجتماعية.

هذه الحوادث ليست مجرد مأساة فردية، بل هي دليل على انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية: الحق في الحياة، الكرامة، والعمل. إنها دعوة للتفكير الجاد في مسؤوليتنا الجماعية تجاه شعوب إفريقيا وغيرها من المناطق المهمشة. يجب أن يتعاون المجتمع الدولي لتحقيق تنمية مستدامة، ودعم هذه الشعوب بدلًا من استغلال مواردها.

علينا أن نطالب بحلول عادلة وفعالة، لمعالجة أسباب الهجرة غير الشرعية، سواء من خلال إنهاء النهب الاقتصادي، أو من خلال توفير الفرص التي تحفظ كرامة الإنسان في موطنه.

ما يحدث هو صرخة إنسانية يجب أن يسمعها العالم. فإن الموت المروع الذي يواجهه هؤلاء الشباب ليس خيارًا، بل نتيجة لظروف قاهرة تسرق منهم أحلامهم وأرواحهم. علينا أن نعمل جميعًا من أجل عالم أكثر عدلًا وإنسانية.

search