السبت، 21 ديسمبر 2024

07:24 م

باسم عوض الله يكتب: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ

الإثنين، 02 ديسمبر 2024 10:37 ص

باسم عوض الله

باسم عوض الله

يصول المرء ويجول، باحثًا عن الحقيقة بخفايا النفس وآفاق الروح. ومهما ظل سابحًا وغاصا بأعماق الخفاء، ومهما وجد، سيبقى هناك المزيد والجديد، وما إن يشعر بأنه قد حصل على مبتغاه فذاك مبتغى رب السماء والأرض، وليس بإرادتك أنت يا ابن آدم، فذلك قَدْرك وقَدَرك، لكن يبقى السعي بِصدق النوايا والطرق على باب رب الأبواب، الذي إن شاء فُتح لتتغير معه الأقدار، وتتبدل معه الحروف بالكتاب الأزليّ. 

حكمة الخالق عز وجل تتجلى ليلًا ونهارًا ، بدءا من اختلاف الليل والنهار، ومن الأخضر واليابس، ومن الصالح والطالح، لتبقى أحد صُحف كتاب الكون الكبير، متلألئة برونق العظمة القدسية في خلق الله، حيث نعيش يوميًّا في خِضَم علاقات البشر، فمنها أمانًا وسلامًا، ومنها صراعًا وضياعًا، والبقاء للأقوى كما يقال، لكن ليس بالعضلات أو حتى بالذكاء الخارق، لكنه بنقاء القلب وصفاء النية. 

وكلنا نقابل القريب والبعيد، ومنهم ما تتآلف معه أرواحنا أو تتنافر. لتبدأ قصة أول ترابط بشري بين أبي البشر سيدنا آدم وسيدتنا حواء عليهما المحبة والسلام. ثم تأتي قصة أول عدوان بشري مع أبنائهما هابيل وقابيل. والقصص مستمرة حتى يوم الدين، حتى نقف متأملين متدبرين ضِياء المحبة وظَلْمة الكراهية. والأمر ببساطة أن البشر هم البشر، بما لهم وما عليهم، تراهم أحيانًا ملائكة هبطت من السماء، وآخرين تراهم كشياطين والعياذ بالله، نبعت من باطن جهنم. والصالحون كما وصفتهم آيات القرآن المباركة {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29) سورة الفتح}. وأرى أن السجود هنا، ليس مقتصرًا على سجود الصلوات، ولكن هناك سجود القلب، وسجود الروح، وسجود الكلمة، وسجود النظرة. فكل فكر وكل فعل تحت مظلة رب العزة هو سجود. لذلك عندما تنشأ علاقة بين أي طرفين، وتكون جذورها ثابتة في أرض الله، فإن فروعها تمتد من الأرض للسماء، أما إن كانت في أرض النفاق والأذى، فإن فروعها تصبح هشة ضعيفة مسمومة، تمتد بِشَرِّها في نفوس الضعفاء المرضى، الذين اختاروا بأن يكونوا حَطَب جهنم في الدنيا والآخرة، لأن جهنم ليست مقتصرة فقط على الآخرة. 

يتجلى الأمر عندما يريد رب السماوات والأرض، أن يزيل أذى قد تسلل لنفسِ أحد الأحبة، حتى يرى خليله بدون شوائب الدنيا، ومن الممكن أن تكون الإزالة بنفحة مباشرة بالقلب، أو من خلال أحد الصالحين الأبرار، حتى تزول الغمامة، وفجأة تتسلل ضياء الحكمة والبصيرة لروح المُبصر، ليرى خليله تدريجيًّا من خلال عين وليِّ الله الصالح، ثم من خلال عين الرسل والأنبياء، حتى يصل لأن يراه بعينِ الله سبحانه وتعالى، وهنا يصدح صوت الحق وكأننا بتنا بين ربوع جبال شامخة حاصرتنا، وأتت أصداء العدل فالتفَّت حولنا، وغمرتنا بالإجلال والتسليم لآيات الله الكريمة {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} سورة فصلت. فجأة ترى من كنت غاضبًا منه، ساخطًا عليه بالأمس، حبيبًا قريبًا لقلبك لأنك تراه اليوم بعين الله، فعرفت وفهمت أن الله يحبه، واختاره لحكمة إلهية، أو ربما باغتته الغفلة. فبحلمك ادفع جهل من جهل عليك. وبعفوك سامح من أساء إليك.

 وعندما ترى أعداء الله بعين الله، ستعلم حينها، أنك مطالب برفع رايات الحق والعدل والرحمة، مع أخذ الحيطة والحذر والتدبر والتَّجَشُّم، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، سواء من خلالك أو من خلال غيرك. فأعداء الله لهم ألوانهم البغيضة المتغيرة من الكذب والأذى والمكر والاحتيال والنفاق، مثلهم كمثل الروائح الكريهة، حتى وإن تعطرت ملابسهم وأجسادهم، تظل أرواحهم مغموسة بالدَّنَس والرِّجْس، ليصدح صوت الحق هنا بآيته العظيمة {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17)} سورة البقرة. 

فيا رب ألهمنا الحكمة، وأرزقنا البصيرة، واجعلنا للخير سبيلًا، يا رب إن لم نكن لائقين بجلالك، فسامحنا وأغفر لنا واهدنا حُسن السبيل، كي نصبح لائقين، فنغدو من المقبولين.

 يا رب إنَّ أولنا وآخرنا عندك، يا رب إنْ أخذتنا الدنيا وأصابنا التِّيه أنقذنا بحفظك، وإن أصاب النفس سهم الإثم فانزعه نزعة عزيز مقتدر، فجلالك القادر الشافي، اللهم إنَّ في الدنيا بشرًا أسدلوا ستائر الظلم والفجر والعصيان، فبحق كن فيكون، أنزل سخطك وغضبك عليهم، ليندثر كل ظالم ولينتصر كل مظلوم.

search