الثورة الأم .. ثورة ٢٣ يوليو والانحياز للشعب
السبت، 20 يوليو 2024 07:30 م
عبدالظاهر دندراوي المحامي
عبد الظاهر دندراوي المحامي
تطل علينا ذكري ثورة 23 يوليو 1952م ، حيث تكمل عامها الثاني والسبعين، وكلما حلت هذه الذكري، يخرج علينا من يحاول النيل من هذه الثورة و قائدها، رغم انها هي الحدث الوحيد في تاريخ مصر الحديث الذي يمكن ان يطلق عليه وصف الثورة. والثورة وفقاً لتعريف الفقهاء، هي ذلك الحدث الذي ينتج عنه تغير جذري في المجتمع، و هذا الوصف في تقديري المتواضع لا ينطبق الا علة ثورة يوليو .
وقد عاشت مصر ثلاث ثورات بارزة في تاريخها الحديث، الأولى الثورة العرابية عام 1881 بقيادة الزعيم احمد عرابي، والثانية الثورة الوطنية عام 1919 بقيادة الزعيم سعد زغلول، والثالثة وهي في تقديري الثورة الأم ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر. فثورة عرابي تمكن منها الخديوي بالاتفاق مع الانجليز وتم اجهاضها والقضاء عليها واحتلال مصر ، وانتهت بعد ان نجحت الحملة التي شنت على عرابي، و الذي قاد أول ثورة في الشرق، واتُهم بأنه عاص وانه لا يمثل الا نفسه، و تسابقت الألسن الى الهزء به، و تعداد مساوئه، ولم تجتمع على أي زعيم المظالم، كما اجمعت على عرابي، في حياته وبعد مماته، فبعد عودته من المنفى استقبله شوقي بقصيدة:
صغار في الذهاب و الاياب
هذا كل شأنك يا عرابي
و يرد عرابي : ان رجوعنا الي وطننا العزيز لم يرق في نظر خصومنا الجهلاء ظنا منهم اننا بعنا وطننا للانجليز على اتفاق بيننا و بينهم، فأوعزوا الى بعض الجرائد المأجورة بالتنديد بنا والخروج علينا، فوجهت الينا سهام جهلها وضعفها وسوف يأتي جيل بعدنا، وسوف يفهمني، وسوف يحقق ما أردت وعجزت عن تحقيقه.
وبقيت النار تحت الرماد الى أن قامت ثورة شعبيه عظيمة ثانية عام 1919 قام بها الشعب المصري وتزعمها سعد زغلول لتحقيق ذات الاهداف التي اعلنها عرابي من اجل الاستقلال والدستور .
ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة، فلقد تعرضت الثورة للتشويه، وخاصة بعد فشل المفاوضات مع الانجليز بقيادة سعد زغلول وتصريح 22 فبراير عقب مقتل السردار ، و يظل الاحتلال جاثما على صدر مصر والمصريين، ويبقى السفير الانجليزي هو الحاكم الفعلي للبلاد، و يتجلى ذلك بوضوح في حادث 4 فبراير 1942م، عندما توجه السفير البريطاني لمقابلة الملك فاروق بسراي عابدين، بعد أن أحاط القصر بالدبابات، وسلم الملك انذارا رسميا، يخيره فيه بين اسناد رئاسة الوزراء الى مصطفي النحاس باشا، وبين الخلع من الحكم، ولم يجد الملك بدا إلا أن يستجيب لمطالب السفير البريطاني، ومن الوقائع المؤسفة أن يقبل مصطفى النحاس تولي رئاسة الوزارة، في واقعة تعتبر من اخزى المواقف في التاريخ.
وتمضي الايام وتندلع ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر ليحقق حلم احمد عرابي فتطيح الثورة بالملك، و تعلن قيام الجمهورية وتنحاز الثورة للعامة والفقراء من أبناء الوطن، و يحصل المصريون علة جزء من حقوقهم، التي لم يستطيعوا الحصول عليها منذ عهد الفراعين العظام، و تحرر مصر من الاستعمار الانجليزي و تأمم قناه السويس ، ويتقلد ابناء العامة والفقراء ارفع المناصب، و تصدر الثورة قانون الاصلاح الزراعي ، والذي لم يكن نتاج فكر عبدالناصر او رفاقة، و انما كان مطلبا لكل الاحرار في مصر، بل ان المهندس سيد مرعي في كتابه "اوراق سياسية" يعترف انه هو أول من نادى بصدور هذا القانون وبأنه هو الذي أشرف على تنفيذه، و بُني السد العالي وبنيت المصانع والمدارس والمستشفيات في كل ربوع البلاد.
ما أسطره في هذه الكلمات ليس نقلا من الكتب أو سماع لحكايات، بل ان جيلنا شاهد على ذلك، فلقد رأيت بعيني ظاهرة عمال التراحيل ، الذين كانوا يعيشون على حواف الترع والمصارف، لا طعام لهم الا الدقة والخبز "البتاو" الجاف، رأيت المرض يفتك بالجميع، بل و عشت وسط مجتمع لا يجيد القراءة او الكتابة، والجميع حفاه عراة .
و على غير موعد تفتح المدارس وتبنى المستشفيات وتوزع الاراضي الزراعية علي كل من ليس لديه حيازة زراعية و تتبدل الاحوال الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، و نعيش حلما جميلا، و تتعرض مصر لمؤامرة 1967 ويقف المصريون جميعا مع بلادهم الى أن تجتاز المحنة، دون ان تستدين مصر، أو تشح المواد التموينية.
وينتقل قائد الثورة الي جوار ربه، وتخرج الثعابين والفئران من الجحور، و تقاد أكبر حملة عرفها التاريخ لتشويه الثورة وقائدها. و من المؤسف أن الذين استفادوا من الثورة كانوا هم اول من فعلوا ذلك، و ذهبوا يبحثون لهم عن علاقات نسب ومصاهره بالباشوات والباكوات حتى يتبرأوا من ماضيهم واصولهم وجذورهم وطبقاتهم الاجتماعية، بل و الاكثر من ذلك وضعوا العراقيل والقوانين التي تحول بينهم و بين ابناء العامة وتقلد المناصب التي وصلوا اليها في ظل حكم ثورة يوليو .
ولكن تبقة الحقيقة ساطعة، يحمي السد العالي مصر من التصحر ، في الوقت الذي كانوا يطالبون بهدمه لانه قضى على اسماك السردين في مجرى النهر و منع وصول الطمي الي البحر المتوسط ولا يزال يحمي مصر الان من شح المياه، زعموا ان الرجل اهدر اموال مصر عن طريق مساعدة الدول الافريقيه واخذوا يلهثون وراء كل ما هو غربي و امريكي وكانت النتيجة سيطرة اسرائيل على كل القارة الافريقيه ويبني السد الاثيوبي ويعقبه عدم الاعتراف باتفاقيه حوض النيل لتوزيع المياه و ها هي حتي جنوب السودان تتمرد علي مصر ، زعموا بان دماء المصريين اريقت على ارض اليمن دون داع ، و نسوا ان وجود المصريين هناك هو الذي اجبر الانجليز على الرحيل من عدن، والآن تستولي الميليشيات علي مدخل باب المندب و تهدد قناه السويس، في الوقت الذي استطاع الجيش المصري عام 1973 غلق باب المندب و منع الامدادات لاسرائيل ، قالوا ان الثورة و قائدها هما السبب في انفصال السودان عن مصر ، و نسوا ان الجيش المصري لم يدخل السودان الا مع جيش الاحتلال الانجليزي و ان مصر كانت محتلة قبل السودان و لم تكن لها ايه سيطرة فعلية او غير فعلية على السودان ، و ان الجيش المصري انسحب بالفعل من السودان بأمر من الانجليز بعد مقتل السردار ، و ان اتفاقية حق تقرير المصير موقعة قبل قيام ثوره 23 يوليو، و ان اللواء محمد نجيب ذهب لافتتاح مجلس النواب السوداني، الا انه مُنع، وزعموا أن الجنيه المصري قبل الثورة كان يساوي اربعة دولارات، في الوقت الذي كان الشعب المصري لا يجد قوت يومه ، وكان الناس حفاة عراة وكانت خطة حكومة الوفد الاخيرة هي مكافحة الحفاء في مصر.
غفروا لمحمد علي ارتكابة اكبر مذبحة في التاريخ و يتباكون على القبض علي مجموعة من المخربين تم تقديمهم للمحاكمة.
الحديث عن ثورة يوليو لا ينتهي ولكن من المؤكد انها سوف تبقى هي الحدث الاهم الذي يمكن ان يطلق عليه ثورة حقيقة.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024 11:47 ص
سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024 11:44 ص
سعر اليورو أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024 11:40 ص
استقرار أسعار الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024 11:37 ص
أسعار الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024 11:34 ص
سعر الدرهم الإماراتي اليوم الأحد 22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024 11:31 ص
الأكثر قراءة
مواقيت الصلاة
-
الفجر
05:14 AM
-
الشروق
06:47 AM
-
الظهر
11:53 AM
-
العصر
02:41 PM
-
المغرب
05:00 PM
-
العشاء
06:23 PM
أكثر الكلمات انتشاراً